Thursday, August 24, 2006

رحله في أعماق منطقة السيدة عيشه

ــ الو سلاموا عليكم عاملين ايه النهارده.ـ
ــ ايو يامحمد انت ايه خلصه شغل.ـ
ــ اه انا لسه مخلص اهوه و كنت بفكر اروح علي الرحاب ابيت هناك النهارده.ـ
ــ طيب اصل انا و ماما كنا هاننزل نشتري فردتين كوتش للبيجو, اصل الكوتش بتاعها القديم اتشقق خالص من الركنه, ده بقاله تقريباً 6 سنين من ساعت بابا ما مات و العربيه مبتتحركش.ـ
ــ طب يابنتي استني انا اعرف واحد بتاع كوتش و بطاريات بيبيع بسعر الجمله في اول شارع الجيش. انا هاعدي انزل معاكم بقه.ـ
ــ طب خلاص مستنينك.ـ
ــ سلام.ـ
ــ سلام.ـ

وادرت عجلت القياده الي طريق الرجوع الي المنزل, واتغديت و نزلت جبت الكوتشتين وركبناهم.ـ

ــ ايه انتِ هتروحي فين دلوقت.ـ
ــ انا هطلع بقه علي الشغل في السيده عيشه.ـ
و بفضول لم تعهده اختي, سألتها:
ــ وده هاتخلصيه الساعه كام؟
ــ يعني علي الساعه 10 10:30 كده, وفي عينيها نظرات ترقب الي رد فعلي و أسئله عن ماذا يعني سؤالي هذا, فاكثيراً ما كانت تدعوني للذهاب معها الي هذا المركز الطبي البسيط لقضاءقليلً من الوقت وانا كنت ارفض لعدم اهتمامي بأي دافع الي الذهاب. و لاكن في هذه المره كنت اريد ان اقود سيارة والدي التي دوماً كان يوعدني انه سيتركني اقودها معه عندما يكبر في السن, و لاكنه لم يكبر و لم يتحقق الوعد. ففي ذالك اليوم وانا اقود السياره كنت اري اثار و علامات والدي علي عجلت القياده و أنلمس ذكرياتي معه, فعلي الرغم من صغر سني النسبي عند موت ابي إلا انه كان يتركني اتعلم القياده علي هذه السياره علي عكس الحال معا بقيت اخواتي البنات الذي لم يتركهم يضعوا قدمهم عليها الا بعد ما طللعوا الرخصه.ـ

ــ طب انا ممكن اجي معاكي النهارده المركز.ـ
ــ واللهي!!! هتمبسط قوي, دول ناس لذيذه قوي.ـ

و شعرت بمدي الفرحه التي ممكن ان تسببها الي اقرب الناس اليك بمجرد ان تشعرهم انك مهمتم بالتعرف علي البيئه المحيطه بهم. و انطلقنا سويا الي منطقه القلعه و السيده عيشه مروراً بمساجد محمود باشا و السلطان حسن و الرفاعي في احد اجمل و اعرق الميادين في القاهره, و اللذي اعتبره اجملهم علي الاطلاق, و نصيحه شخصيه منني عند مرورك به حاول ان تنظر الي المباني قمم المباني و البيوت و لا تحول نظرك الي الأسفل حتي لا تري ما تعرضت له الاصاله من عدوان المجتمع المصري المغيب التايه. و ياريت لو تفتح التكيف و تقفل الشباك, و تشغل السوند تراك بتاع فيلم براف هارت او جلادياتور. بجد هتعمل دماغ عجب.

المهم كملنا الرحله في اعماق السيدة عيشه من شارع الي حاره و من حاره الي اخري حتي استقر بنا الحال في احد الأزقه و وانا انظر الي المكان و التناقض بين هذه العربه الحديثه نسبياً وهذا الزقاق العتيق الذي لم يتبقي منه غير مساحه ضغيره جدا تسمح بمرور الرفيعين فقط من احد جانبي العربه بعد ركنها فيه.ـ

نزلت من العربيه و بذرة التفكير بدأت تتمركز في قعر مخي عن كيفيت وصول اختي الي هذا المكان في الاصل و ان كيف لهذه البنت التي تربت في ميادين و شوارع مدينه نصر و مصر الجديده ان تتعايش مع هذا المجتمع اللذي طالما اعتبرته متخلفاً و سبقت الحكم عليه كما يحكم الغرب علينا دون اي و عي او ادرك.ـ
انزلقت معها الي خارج العربه مرورا ببعض بحيرات مزارع النموس البلدي في طريقنا الي داخل احد المانازل الذي اعتقد ان عمره يذيد عن المئة عام و لاكن بعد وش المحار و البياض البمبي اصبح له نيو لوك جديد يعطيه مظهر الشايب لما يتدلع.ـ
المبني لم ادخل فيه اكثر من 7 الي 10 متر, فالحجره المنتظر الجلوس فيها تقع في الدور الأرضي بجانب الباب تماماً فهي في اعتقادي كانت حجرة الخزين في منزل هذا الثري الذي انشأه. حجره صغيره جداً يوجد بها مكتبين خشب في ركنين متعكسين و في الركن الباقي تقبع مكتبه و كما نسميها نيش به بعض المفروشات و برواز به صوره لولد صغير يضم عن يمينه و يساره بنتين اصغر سناً منه لتعطيق انطباعاً بالحنان و الدفء. و فوق احد المكاتب لوحت مرسومه بألوان الرصاص "بسم الله الرحمن الرحيم" "مهداه الي الاستاذ عبد الكريم" و الامضاء مش واضح بس جمبه تاريخ في مطلع القرن الـ 19 واكتشفت بعد سؤالي لؤختي ان الاستاذ عبد الكريم هو والد صاحب المركز و رئيس الجمعيه

دخلنا و قعدنا نرغي شويه مع راجل وست في العقد الرابع من العمر كانوا بالداخل عند وصولنا و بعد فتره سمعنا صوت ضحك جاي من بره وتعلقت اعيننا بالباب انتظاراً لصاحبه. ليدخل رجل عريض المنكبين يضع نظاره دائريه علي وجهه البشوش المستدير, جسمه ممتلئ نسبياً لاكن متناسق. تشعر من اول لحظه انه من الناس اللي وجعه دماغها في الدنيا ديه. الراجل ده طلع دكتورياسر رئيس الجمعيه الخيريه اللي فتحه المركز ده, متحدث لبق ابن نكته. و بعد فتح بعض الحوارات امامي مع الدكتوره اختي و الجالسين معنا سمعت فيها عن صفقات و تعاون مشترك ما بين المؤسسات المسيحيه و هذه الجمعيه الخيريه التي تتسم بالاسلام مما اثار فضولي في السؤال و انهاء فترت مراقبتي للاحادث في صمت التي بدأت منذ دخولي المركز. فوجهت نظري الي دكتور ياسر و بدأت في الكلام و بدا الحضور في الانصات لسماع اولي كلماتي ـ

ــ معلش انا مش فاهم ايه علاقت المؤسسات المسحيه ديه بالجمعيه بتعاتكم؟

و بدأ الدكتور ياسر في ايضاح مفاتيح اللعبه في ان هذه المؤسسات مرخصه علي ان نشاطها هو خدمت المجتمع و لذلك تحصل علي نصيبها من الاعانات الخارجيه من الدول المتقدمه. و يجب ان توزع هذه الاموال علي مشاريع و جمعيات علي مختلف الديانات و المناطق النامية. و لان معظم المناطق الفقيره مأهوله بالكثير من المسلمين فعلي هذه المؤسسات ان توزع هذه الاموال علي مشروعات في هذه المناطق و الا ستتعرض للمسائله من قبل الجهات الحكوميه المسؤله عن متابعت النشاطات الخيريه و من الممكن ان تفقد ترخيصها و بالتالي تخسر نصيبها في الاعانات الدوليه. و بدا يشرحلي اذاي بقه ان اللعبه ديه ممكن التلاعب بيها بأعطاء منح بمبالغ وهميه اكبر من الصحيحه للخروج بمبلغ محترم لهذه الجمعيات و ان ازاي الحج مش عارف مين عمل مشروع يتكلف 4 مليون جنيه و قدمهلهم و همه نفذوا المشروع بس بشرط انه يمضي علي انه كان بـ 8 مليون و النظام كده ماشي و زي الفل.

قعدنا نهرج شويه و بعدين تطرق الحوار الي مولد السيده زينب اللي كان الأوسبوع اللي فات, ده كان اهم حوار في القعده ديه كلها و قعد الدكتور ياسر يحكي عن معاناته اليوميه في هذا لاسبوع علي مدار كل سنه فهو يسكن في احد الحواري اللتي تطل علي ميدان السيده عائشه. هذه الحاره اللتي تتحول الي خيمه كبيره لخدمت و استضافت ميريدين السيده في هذا المولد. و كيف ان كل كبير في الارياف و القري يبعث باموال و كتيبه من الخدم لاقامه خيمه بأسمه لخدمت ميردين السيده من هذه المنطقه. وطبعا في لهجت استغراب سألته عن كيفيه اقامت هؤلاء الشعب القادم من الجنوب من منطلق الحمامات والمطابخ والازي منه. و كان رده بساطه لم اعهدها انهم عادي بيستعملوا امكانيات العمارات المحيطه بالخيمه. فالخيمه اللتي تطل عليها شقته تقريباً تجعل الشقه تحت الخيمه لان شباك الشقه يقع اسفل سقف الخيمه و بهذه الصوره فهو فعليا يعيش داخل هذه الخيمه معهم لمده اسبوع كامل. يتابع فيه حوارتهم و اهتمامتهم. من هذا اللذي ينده علي السيده عيشه و عمال يقول يا "ماما" من الساعه الـ 2 ظهراً حتي منتصف الليل وهؤلاء اللذين اكتفوا بسماع اغنية كعبو و العنب و الرقص علي انغامها و البعض الاخر اللذي يقص احد ذكرياته عن هذا المولد ايام الملك و كيف كانت الامور مختلفه و احسن من الاوضاع الحاليه, و انا في سري بقول هوه حتي المولد منفدش من تدهور الاوضاع الحياتيه للدوله. و يكمل الدكتور ياسر في القص عن خوفه كل ليله ان يعود الي منزله حتي لا يتشاجر معهم مع انه كل سنه يحاول يهدّي نفسه و يقول انا مش هاتخانق السنه دي. و ان اللي بيحصل في شقته ده بعتبر معايشه يوميه للمهجرين اللبنانين حيث ان الكل يتشارك في كل الامكانيات المتاحه للجميع من حمامات و مطابخ و اكل وانه يمكن لو رجع بدري في احد الايام يجد واحده ست بتستحمي في حمامه و راجل قاعد علي كرسيه و بيتفرج علي التلفزيون. الغريب فيه انه كان يروي عن هذه الاحداث وكأنها ليست عنده في بيته او يمكن انها من قهرها له لا يجد و سيله للحديث عنها اللا عن طريق التهريج و البساطه للخروج من الحاجز الدرامي الي الفكاهه الواعظه. و اتضح من كلامه ان حماته تعيش معه في نفس المنزل وانها تساعد هؤلاء المريدين في ممارسه حياتهم داخل منزله وانها حتي تقبل منهم الهدايا مثل الزيت و الرز و السكر و محاولاته ايضاح لحماته ان هذه الهدايا قادمه علي انها صدقه و انه هو و عائلته ليسوا من مستحقي الصدقات ولاكن حماته تعتبرها هدايا من قوم هي تقدم لهم بعض الخدمات و تربطهم الصداقه. فأنا لم اتخيل ابداً حياه كهذه. انا دائماً ما اعتبر بيتي هو عقر داري و انه لايمكن ان اسمح فيه بالغرباء او عامة الشعب بالدخول و استعمال ممتلكاتي و اغرضي. وفي تلك اللحظه توجه الدكتورياسر الي جهاز الكمبيوتر العتيق نسبياً بالمكان الساكن علي احد المكاتب بالغرفه للعب باحدي لعب الاوراق المتاحه بالويندوز طالباً من اختي ان تجرب هذه اللعبه فهي ممتعه جداً علي حد قوله, معبراً عن انها اكثر الالعاب اللتي يلعبها عندما يكون مرهق و لم ينم لفتره طويله كالاوسبوع الما ضي. فهو من محببي اللعب و الاسترخاء عند و صوله الي المنزل و ان اهم اعماله الروتينيه عند و صوله هي فتح احد قنوات الكرتون الفضائيه و الجلوس امامها حتي يستطيع ان يفصل ما كان قبل دخول المنزل و ما بعده, و ان اولاده و مراته لا يقتربوا منه حتي يغير القناه فتغير القناه يعني انه قد استطاع من اتمام عمليه الفصل بنجاح و من الممكن الان ان يتابع حياته المنزليه كزوج و اب لثلاثه ملأكه هم ابن اكبر و بنتين توءم. و توجه الي تلك المكتبه الموجوده بالحجره و اعطاني الصوره الموجده بالمكتبه لتفقدها عن قرب فهي صوره اولاده ابن تقريبا في العاشره من العمر ملئ الجسم كوالده ذو عينين ذكيتين و بنتين في السنه السابعه تقريباً يتمتعان بقدر من الجمال ويرتديان نفس طقم الهدوم كعادة كل التواءم و لا ادري لماذا نفس الطقم, يمكن علشان لو الاهل جابو هدوم مختلفه هيتخنقوا عليها فالاهل بيفضلوا الحيطه و شراء نفس الطقم لكلتاهما.ـ
و تصل الساعه الي العاشره و النصف و نذهب انا و اختي في رحلت العوده الي ديارنا بمصر الجديده مرة اخري بعد تحيت الدكتور ياسر و تعمدي السلام عليه بيدي كنوع من التقدير علي مساعدته لي في فهم و تفهم ملابسات الحياه في منطقه السيده و ما حولها و اعود انا الي ما اعتدت ان اراه و اعيشه منذ طفولتي الناعمه مرة اخري. و كأن شئً لم يكن و كأنني كنت اعيش حلماً واقعياً لبعض النماذج الحيه في هذه الدنيا.ـ

4 Comments:

Blogger محمود محمد حسن said...

تعرف يا حاج محمود أنا بحب أوي اتفرج على المباني القديمة الأثرية دي في إيطاليا ...مش عارف ليه في ايطاليا خصوصا بس عايز اقولك إن في إيطاليا لما بتفرج على صورها بحس إن عندهم اهتمام غير عادي بالمباني القديمة دي جدا

على عكس عندنا قمة الأهمال والقرف ..والزبالة والقذارة .والعشوائية لدرجة تخليك ماشي مقروف ومش مبسوط

لما في يوم من الأيام آجي ازورك في القاهرة تبقى تاخدني تفرجني على الأماكن الحلوة دي

Fri Aug 25, 04:53:00 PM 2006  
Blogger محمود محمد حسن said...

معلهش بقى انا بكتب التعليق اللي فات ده وانا مش شايف قدامي والساعة تلاتة الفجر فمعلهش لو طلع هرتلة اكتر منه تعليق

Fri Aug 25, 04:54:00 PM 2006  
Blogger BackBone said...

لاء مفيش حاجه يابوب, هوه بس انا اسمي محمد مش محمود بس ولا يهزك, كلها واحد
;)

Tue Aug 29, 11:09:00 PM 2006  
Blogger محمود محمد حسن said...

هههههه
مش بقولك تلاتة الفجر هههههه

Fri Sep 01, 02:49:00 AM 2006  

Post a Comment

<< Home